لمحة
دعا الإسلام إلى الكرم والجود، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: (إنَّ اللهَ كريمٌ يُحبُّ الكُرَماءَ، جوادٌ يُحبُّ الجَوَدَةَ، يُحبُّ معاليَ الأخلاقِ، ويكرَهُ سَفْسافَها) حديث صحيح في الصحيح الجامع
وقال أكثم بن صيفي حكيم العرب: (ذللوا أخلاقكم للمطالب، وقودوها إلى المحامد، وعلموها المكارم، ولا تقيموا على خلق تذمونه من غيركم، وصلوا من رغب إليكم، وتحلوا بالجود يكسبكم المحبة، ولا تعتقدوا البخل فتتعجلوا الفقر)
وسنورد في هذا المقال بعضاً من القصص والروايات بالإضافة إلى أبيات الشعر التي وردت عن أشخاص اشتهروا بالكرم والجود
ممن اشتهر بالكرم والجود في الإسلام
اشتهر بالكرم والجود في أهل الإسلام أحد عشر رجلاً في عصر واحد، لم يكن قبلهم ولا بعدهم مثلهم
- أجواد الحجاز كانوا ثلاثة أشخاص في عصر واحد وهم: (عبيد الله بن العباس، وعبد الله بن جعفر، وسعيد بن العاص)
- أجواد البصرة كانوا 5 أشخاص في عصر واحد وهم: (عبد الله بن عامر بن كريز، وعبيد الله)
- (ابن أبي بكرة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومسلم بن زياد، وعبيد الله بن معمر القرشي ثم التيمي، وهو طلحة بن عبد الله بن خلف الخزاعي)
- أجواد أهل الكوفة كانوا 3 أشخاص في عصر واحد، وهم: عتاب بن ورقاء الرياحي وأسماء ابن خارجة الفزاري. وعكرمة بن ربعي الفياض.
من قصص الكرم والجود عند عبيد الله بن عباس
- من الكرم والجود عنده أنَّه أول من وضع الموائد على الطرق
- وأول من حيا على طعامه، وأول من أنهبه
وفيه يقول شاعر المدينة:
- وفي السنة الشهباء أطعمت حامضاً
- وحلوا ولحماً تامكاً وممزعاً
- وأنت ربيع لليتامى وعصمة
- إذا المحل من جو السماء تطلعاً
- أبوك أبو الفضل الذي كان رحمة
- وغوثاً ونوراً للخلائق أجمعاً
من قصص الكرم والجود لدى عبيد الله بن عباس
الكرم والجود على معروف بسيط
من الكرم والجود لديه أنَّه أتاه رجل وهو بفناء داره فقام بين يديه فقال: يا بن عباس إنَّ لي عندك يداً وقد احتجت إليها. فصعَّد فيه بصره وصوّبه، فلم يعرفه، ثم قال له: ما يدك عندنا؟ قال: رأيتك واقفاُ بزمزم وغلامك يمتجّ لك من مائها والشمس قد صهرتك، فظللتك بطرف كسائي حتى شربت.
قال: إنّي لأذكر ذلك وإنه يتردد بين خاطري وفكري. ثم قال لقيمه: ما عندك؟ قال: مائتا دينار وعشرة آلاف درهم، قال: ادفعها إليه وما أراها تفي بحق يده عندنا.
فقال له الرجل: والله لو لم يكن لإسماعيل ولد غيرك لكان فيه ما كفاه، فكيف وقد ولد سيد الأولين والآخرين محمدا صلى الله عليه وسلم، ثم شفع بك وبأبيك.
لهذه الحيلة في الكرم أكثر من الكرم
ومن الجود والكرم ما ورد عنه أنَّ معاوية بن أبي سفيان أهدى إليه وهو عنده بالشام من هدايا النيروز حللاً كثيرة ومسكاً وآنية من ذهب وفضة، ووجهها مع حاجبه
فلما وضعها بين يديه نظر إلى الحاجب وهو ينظر إليها، فقال: هل في نفسك منها شيء؟ قال: نعم والله، إن في نفسي منها ما كان في نفس يعقوب من يوسف عليهما السلام.
فضحك عبيد الله وقال: فشأنك بها فهي لك. قال: جعلت فداك، أخاف أن يبلغ ذلك معاوية فيجد علي. قال: فاختمها بخاتمك وادفعها إلى الخازن، فإذا حان خروجنا حملها إليك ليلاً.
فقال الحاجب: والله لهذه الحيلة في الكرم أكثر من الكرم، ولوددت أنّي لا أموت حتى أراك مكانه- يعني معاوية- فظن عبيد الله أنها مكيدة منه، قال: دع عنك هذا الكلام، فإنا قوم نفي بما وعدنا ولا ننقص ما أكدنا
تصدّق بألفي درهم واعتذر من السائل!!!
ومن جود وكرم عبيد الله بن عباس أنّه أتاه سائل وهو لا يعرفه فقال له: تصدّق، فإني نبّئت أن عبيد الله بن عباس أعطى سائلاً ألف درهم واعتذر إليه!
فقال له: وأين أنا من عبيد الله؟ قال أين أنت منه في الحسب أم كثرة المال؟ فقال: فيهما.
قال: أما الحسب في الرجل فمروءته وفعله، وإذا شئت فعلت، وإذا فعلت كنت حسيباً.
فأعطاه ألفي درهم واعتذر له من ضيق الحال: فقال له السائل: إن لم تكن عبيد الله بن عباس فأنت خير منه، وإن كنت هو فأنت اليوم خير منك أمس. فأعطاه ألفاً أخرى.
فقال السائل: هذه هزة كريم حسيب، والله لقد نقرت حبة قلبي فأفرغتها في قلبك، فما أخطأت إلا باعتراض الشك بين جوانحي.
أشهد أنّ عفوك أكثر من مجهوده، وطلّ كرمك أكثر من وابله
ومن قصص الجود والكرم التي وردت عنه أيضاً: أنّه جاءه رجل من الأنصار فقال: يا بن عم رسول الله، إنه ولد لي في هذه الليلة مولود، وإني سمّيته باسمك تبرّكا مني به، وإنّ أمه ماتت.
فقال عبيد الله: بارك الله لك في الهبة، وأجزل لك الأجر على المصيبة، ثمّ دعا بوكيله فقال: انطلق الساعة فاشتر للمولود جارية تحضنه، وادفع إليه مائتي دينار للنفقة على تربيته.
ثمً قال للأنصاري: عُد إلينا بعد أيام، فإنك جئتنا وفي العيش يبس وفي المال قلّة.
قال الأنصاري: لو سبقت حاتماً بيوم واحد ما ذكرته العرب أبداً، ولكنّه سبقك فصرت له تالياً، وأنا أشهد أنّ عفوك أكثر من مجهوده، وطلّ كرمك أكثر من وابله.
قصص الجود والكرم عن عبد الله بن جعفر
من الكرم والجود الذي جُبل عليه عبد الله بن جعفر ما ورد عنه أنّه أعطى امرأة سألته مالاً عظيماً، فقيل له: إنّها لا تعرفك وكان يرضيها اليسير.
قال: إن كان يرضيها اليسير فإنّي لا أرضى إلا بالكثير، وإن كانت لا تعرفني فأنا أعرف نفسي.
قصص الجود والكرم عن سعيد بن العاص
من قصص الجود والكرم التي وردت عنه ما رواه الأصمعي حين قال: كان سعيد بن العاص يسمر معه سماره إلى أن ينقضي حين من الليل، فانصرف عنه القوم ليلة ورجل قاعد لم يقم، فأمر سعيد بإطفاء الشمعة وقال: حاجتك يا فتى؟ فذكر أن عليه دينا أربعة آلاف درهم.
فأمر له بها، وكان إطفاؤه للشمعة أكثر من عطائه.
خطبة لسعيد بن العاص
كان سعيد بن العاص يقول على المنبر: من رزقه الله رزقاً حسناً فلينفق منه سراً وجهراً، حتى يكون أسعد الناس به؛ فإنَّما يترك ما يترك لأحد رجلين: إمَّا لمصلح فلا يقل عليه شيء، وإمّا لمفسد فلا يبقى له شيء.
قصص الجود والكرم عن عبيد الله بن أبي بكرة
من الجود والكرم في جبلة عبيد الله بن أبي بكرة أنَّه أدلى إليه رجل بحرمة، فأمر له بمائة ألف درهم، فقال: أصلحك الله، ما وصلني أحد بمثلها قط، ولقد قطعت لساني عن شكر غيرك، وما رأيت الدنيا في يد أحد أحسن منها في يدك، ولولا أنت لم تبق لها بهجة إلا أظلمت، ولا نور إلا انطمس.
قصص الجود والكرم عن عبد الله بن معمر القرشي التيمي
من أشهر قصص الجود والكرم التي وردت عن عبيد الله بن معمر القرشي، أنَّ رجلاً أتاه من أهل البصرة
كانت له جارية نفيسة قد أدبها بأنواع الأدب حتى برعت وفاقت في جميع ذلك
ثمَّ إنَّ الدهر قعد بسيدها ومال عليه، وقدم عبيد الله بن معمر البصرة من بعض وجوهه، فقالت لسيدها:
إنّي أريد أن أذكر لك شيئاّ أستحي منه، إذ فيه جفاء مني، غير أنه يسهل ذلك عليّ ما أرى من ضيق حالك وقلة مالك وزوال نعمتك، وما أخافه عليك من الاحتياج وضيق الحال،
وهذا عبيد الله بن معمر قدم البصرة، وقد علمت شرفه وفضله وسعة كفه وجود نفسه، فلو أذنت لي فأصلحت من شأني
ثمّ تقدمت بي إليه وعرضتني عليه هدية، رجوت أن يأتيك من مكافأته ما يقيلك الله به وينهضك إن شاء الله.
قال: فبكى وجداً عليها وجزعاً لفراقها منه، ثمّ قال لها: لولا أنّك نطقت بهذا ما ابتدأتك به أبداً، ثم نهض بها
حتى أوقفها بين يدي عبيد الله فقال: أعزّك الله، هذه جارية ربيتها ورضيت بها لك، فاقبلها مني هدية.
فقال عبيد الله بن معمر القرشي: مثلي لا يستهدي من مثلك؛ فهل لك في بيعها فأجزل لك الثمن عليها حتى ترضى؟ قال: الذي تراه.
فقال: يقنعك مني عشر بدر في كل بدرة عشرة آلاف درهم؟ قال: والله يا سيدي ما امتد أملي إلى عشر ما ذكرت، ولكن هذا فضلك المعروف وجودك المشهور.
ثمّ أمر عبيد الله بإخراج المال حتى صار بين يدي الرجل وقبضه، وقال للجارية: ادخلي الحجاب.
فقال سيدها: أعزّك الله! لو أذنت لي في وداعها! قال: نعم. فوقفت وقام، وقال لها وعيناه تدمعان:
- أبوح بحزن من فراقك موجع
- أقاسي به ليلاً يطيل تفكري
- ولولا قعود الدهر بي عنك لم يكن
- يفرقنا شيء سوى الموت فاعذري
- عليك سلام لا زيارة بيننا
- ولا وصل إلا أن يشاء ابن معمر
قال عبيد الله بن معمر: قد شئت ذلك، فخذ جاريتك وبارك الله لك في المال، فذهب بجاريته وماله فعاد غنيًا.
فهذه بعض القصص والروايات في الكرم والجود التي وردت عن بعض أجواد أهل الإسلام لنا أن نقرأها ونتأملها
فمن كان الجود والكرم في طبعه لم ينتزعه منه أحد ولن يقف في وجهه عائق، وكان كريم الطبع كريم اليد
قصص الجود والكرم عن معن بن زائدة
قيل فيه: حدّث عن البحر ولا حرج، وحدّث عن معن ولا حرج.
ممَّا ورد عن قصص معن بن زائدة في الكرم والجود أنّه أتاه رجل يسأله أن يحمله
فقال: يا غلام، أعطه فرسًا وبرذونًا وبغلاً وعيرًا وبعيراً وجارية.
وقال: لو عرفت مركوباَ غير هؤلاء لأعطيتك.
قصة معن بن زائدة في الحلم والكرم
رُوي أنَّه لما تولي معن بن زائدة إمارة العراق وكان قد اشتهر بالحلم والكرم جاءه أعرابي يريد أن يختبر حلمه فدخل عليه دون أن يستأذن أو يؤذن له فلمّا مثل بين يديه
- قال له: أتذكر إذ لحافك جلد شاة وإذ نعلاك من جلد البعير
- فقال معن: نعم أذكر ذلك ولا أنساه،
- قال الأعرابي: فسبحان الذي أعطاك ملكاً وعلمك الجلوس على السرير
- فقال معن: سبحانه على كل حال
- قال الأعرابي: فلست مسلماً ما عشت دهراً على معن بتسليم الأمير
- فقال معن: إنّ السلام سنة يا أخا العرب تأتي به كيف شئت
- قال الأعرابي: سأرحلُ عن بلاد أنت فيها ولو جار الزمان على الفقير
- فقال معن: إن أقمت فينا فمرحباً بك وإن رحلت عنا فمصحوب بالسلامة
- قال الأعرابي: فجد لي يا ابن ناقصة بشيء فإني قد عزمت على المسير
- فقال معن: يا غلام أعطه ألف دينار فأخذها الأعرابي
- وقال: قليلٌ ما أتيت به وإنّي لأطمع منك بالمال الكثير
- قال معن: يا غلام أعطه ألف دينار أخري فأخذها الأعرابي
- وقال: سألتُ الله أن يبقيك ذخراً فمالك في البرية من نظير
- قال معن: لغلامه أعطه ألف دينار أخري فأخذها الأعرابي، وقال: أيها الأمير إنّما جئت مختبراً حلمك لما بلغني عنه فلقد جمع الله فيك من الحلم ما لو قسم على أهل الأرض لكفاهم
- فقال معن: يا غلام كم أعطيته على نظمه؟ قال: ثلاثة آلاف دينار
- قال: أعطه على نثره مثلها فأخذها الأعرابي وذهب في طريقه شاكراً
قصص الجود والكرم عن يزيد بن حاتم
من كرم وجود يزيد بن حاتم ما روي عنه أنّه كتب إليه رجل من العلماء يستوصله، فبعث إليه ثلاثين ألف درهم، وكتب إليه:
(أمّا بعد، فقد بعثت إليك بثلاثين ألفاً، لا أكثرها امتناناّ، ولا أقللها تجبراّ، ولا أستثيبك عليها ثناء، ولا أقطع لك بها رجاء، والسلام)