لمحة
ما هو القضاء والقدر، وهل يتعارض القضاء والقدر مع حرية الإنسان؟
عندما يصمّم المهندس البناء ويضع الخطوط الأوّلية وعدد الغرف والمساحة هذا يشبه القضاء.
عندما يأتي المقاول وينفذ ما رسمه المهندس هذا يشبه القدر.
ولله المثل الأعلى، فالقضاء وهو الإرادة والعلم والقدر وهو القدرة والفعل لله تعالى وحده.
تعريف القضاء والقدر في الشريعة
- القضاء: هو إرادة الله تعالى الأزلية المتعلقة بالأشياء على وفق ما ستوجد عليه في المستقبل، كإرادته الأزلية
أن يخلق هذ الانسان على وجه الأرض. - والقدر: هو إيجاد الأشياء على مقاديرها المحدودة بالقضاء، كإيجاد اللهِ هذا الانسان فعلاً على وجه الأرض طبق
ما سبق في قضائه. - فمرجع القضاء على الإرادة والعلم، ومرجع القدر الى القدرة والفعل.
معنى وجوب الايمان بالقضاء والقدر
هو أنه يجب على المكلف أن يؤمن بأن الله سبحانه وتعالى، علم أولاً بجميع ما يقع في المستقبل من أفعال العباد وغيرها،
وأراد وقوعها في زمنها المحدد، كما يجب عليه أن يؤمن بأنه سبحانه وتعالى إنما أوجدها حين اوجدها على القدر
المخصوص والوجه المعين الذي سبق العلم به والإرادة له.
الدليل على وجوب الإيمان بالقضاء والقدر
1- الحديث الصحيح الذي رواه عمر رضي الله عنه: (الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر
وبالقدر خيره وشره) رواه مسلم.
2- أن الله سبحانه يتصف بالإرادة والعلم والقدرة، فالقضاء فرع عن ثبوت صفة العلم والإرادة الله عز وجل،
والقدر فرع عن ثبوت صفة القدرة لها.
فوائد الإيمان بالقضاء والقدر
للإيمان بالقضاء والقدر فوائد عديدةٌ، منها:
- الرضا بكلّ ما يأتي من الله تعالى، واليقين بالعوض من الله تعالى.
- الطمأنينة وراحة البال وتسليم الأمر كلّه لله تعالى.
- الأجر الكبير من الله تعالى.
- عدم الخوف من أي شيء ما عدا الله تعالى.
- عدم الحسرة على ما مضى طالما أنّ الأمر بيد الله.
هل يتعارض القضاء والقدر مع حرية الإنسان؟
طبعاً لا يتعارض، وللإجابة على هذا السؤال نورد مثالاً توضيحياً:
ولنوضح ذلك بمثال يقرب هذه الحقيقة:
لو كان عندك خادم في البيت تريد أن تختبره بحيث تعلم مدى صدقه وأمانته، ولكي تصل الى النتيجة، أعطيته مبلغاً
من المال وبعثته الى السوق الشراء بعض الحاجات، وتركت له مجالاً أن يتصرف كما يشاء، دون أن تضع عليه رقيباً،
أو تضيق عليه السبيل.
فأنت بترتيبك هذا أردت أن يكون حراً فيما يفعل ويترك، لا يستجيب إلا لنداء ضميره، بحيث يتمتع بإرادة لا يشوبها قسر ولا إجبار،
حتى تعلم بذلك طويته، فإذا عاد وقد خان الأمانة فيما أعطيته من المال وما عاد به من المتاع فأنت في الواقع مريد لهذه النتيجة،
وإذا عاد وقد حقق منتهى الأمانة في عمله، فانت مريد أيضاً لهذه النتيجة، إذ أنت لم ترد إطلاق يده بالتصرف كما يشاء إلا وأنت
مريد لظهور نتيجة ذلك، أيا كانت النتيجة ، سواء أكنت قد أحببتها ورضيتها أم لا.
إذا تبين ذلك لك، علمت أن مصير الإرادة الانسانية في جنب إرادة الله ليس إلا كمصير إرادة الخادم في جنب إرادة سيده،
ولله المثل الأعلى، فإرادتك المتعلقة بتصرفاتك الاختيارية منطوية تحت إرادة الله تعالى ولكن لا على طريق القسر والإكراه،
وانما عن طريق بث سر الإرادة والاختيار في كيانك ، وكانت حكمته من ذلك أن تكسب بموجبها كل ما تحب دون قسر أو إكراه،
لتظهر طويتك في سلوكك ، فتستأهل بذلك مثوبة الله أو عقابه ، وواضح أن سلوكك
هذا يصبح بذلك من مراد الله عز وجل.
ما الحكمة من وجود الآلام والشر؟
بما أن هذه الدار دار امتحان واختبار فقد نوّع الله سبحانه وتعالى الأسئلة المطروحة على عباده فمنها الفقر ومنها الغنى،
ومنها الصحة ومنها المرض، ومنها الخير ومنها الشر، وكل ذلك امتحان واختبار، ولقد قال الله سبحانه في بيان ذلك:
(وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ
قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)
ومن هذا المنطلق لا نرى فيما تعانيه من آلام، وما يصيبنا من شر لا نرى في ذلك مشكلة، ما دمنا نعتقد أننا في قاعة امتحان،
وأن هذه أسئلة يجب أن نجيب عنها بجواب صحیح.