لمحة
قال الجاحظ في كتمان السر وحفظه: كتمان السر خُلُق مركب من الوقار والأمانة فإن إخراج السر من فضول الكلام، وليس بِوَقُورٍ, مَن تكلم بالفُضُول
فكما أنه من استودع مالاً فأخرجه إلى غير مودعه فقد خفر الأمانة كذلك من استودع سراً فأخرجه إلى غير صاحبه فقد خفر الأمانة
وكتمان السر محمود من جميع الناس، وخاصة ممن يصحب السلطان فإن إخراجه أسراره ـ مع أنه قبيح في نفسه ـ يؤدي إلى ضرر عظيم يدخل عليه من سلطانه
قالوا عن كتمان السر
قالت الحكماء: صدرك أوسع لسرك من صدر غيرك.
قالوا: سرك من دمك. يعنون أنه ربما كان في إفشائه سفك دمك.
قالت الحكماء: ما كنت كاتمه من عدوك فلا تطلع عليه صديقك.
قال المأمون: الملوك تحتمل كل شيء إلا ثلاثة أشياء: القدح في الملوك، وإفشاء السر، والتعرض للحرم.
قيل لأعرابي: كيف كتمانك للسر؟ قال: أجحد المخبر وأحلف للمستخبر.
وقيل لآخر: كيف كتمانك للسر؟ قال: ما قلبي له إلا قبر.
قال الراغب الأصفهاني: السِّرٌّ هو الحديث المُكَتَّمُ في النفس
إفشاء السر لأكثر من شخص
استشار بعض ملوك العجم استشار وزيريه
فاعترض أحدهما قائلاً: لا ينبغي للملك أن يستشير منا أحداً إلا خالياً به
فإنه أموت للسر، وأحزم للرأي، وأجدر بالسلامة، وأعفى لبعضنا من غائلة بعض
فإذا كان السر عند واحد كان أحرى ألَّا يظهره رغبة ورهبة، وإن كان عند اثنين دخلت على الملك الشبهة، واتسعت على الرجلين المعاريض.
فإن عاقبهما عاقب اثنين بذنب واحد، وإن اتهمهما اتهم بريئاً بخيانة مجرم، وإن عفا عنهما كان العفو عن أحدهما ولا ذنب له، وعن الآخر ولا حجة معه.
نصيحة في كتمان السر وحفظه
قال الوليد بن عتبة لأبيه: إن أمير المؤمنين أسَّر إليّ حديثًا، أفلا أحدثك به؟ قال لا، يا بني
إنه من كتم سره كان الخيار له، ومن أفشاه كان الخيار عليه فلا تكن مملوكاً بعد أن كنت مالكًا.
من الأشعار في كتمان السر وحفظه
كتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج بن يوسف
ولا تفش سرك إلا إليك
فإنَّ لكل نصيح نصيحاً
وإني رأيت غواة الرجال
لا يتركون أديماً صحيحاً
من أحسن ما قالت الشعراء في كتمان السر قول عمر بن أبي ربيعة
فقالت وأرخت جانب الستر: إنما
معي فتحدث غير ذي رقبة أهلي
فقلت لها: ما بي لهم من ترقب
ولكن سري ليس يحمله مثلي
قال أبو محجن الثقفي
لا تسألي الناس عن مالي وكثرته
وسائلي الناس عن بأسي وعن خلقي
قد أطعن الطعنة النجلاء عن عرض
وأكتم السر فيه ضربة العنق
