لمحة
مدار قبول الحديث عند المحدثين يقوم على أمرين وهما: العدالة لدى راوي الحديث وضبطه فإن اجتمعت هاتان الصفتان به قبلت روايته ما لم يكن به ما يخل بعدالته أو ضبطه
قال أبو عمرو بن الصلاح: “أجمع جماهير أئمة الحديث والفقه على أنه يشترط فيمن يحتج بروايته أن يكون عدلاً ضابطاً لما يروي. وتفصيله: أن يكون مسلماً بالغاً عاقلاً سالماً من أسباب الفسق وخوارم المروءة، متيقظاً غير مغفل، حافظاً إن حدث من حفظه، ضابطاً لكتابة إن حدَّث من كتابه. وإن كان يحدث بالمعنى اشترط فيه مع ذلك أن يكون عالماً بما يحيل المعاني”.
والآن ماذا تعرف عن عدالة رواة الحديث؟
تعريف العدالة
“هي ملكة تحمل صاحبها على التقوى، واجتناب الأدناس وما يخل بالمروءة عند الناس”.
شروط العدالة
يشترط في عدالة رواية الحديث الأمور الآتية:
أ- الإسلام
ب- البلوغ
ج- العقل
د- التقوى
هـ- الاتصاف بالمروءة وترك ما يخل بها
فروع اختلال العدالة
أ – لا يقبل حديث الراوي الكافر
يجب أن يكون وقت روايته للحديث مسلماً
ب –لا تقبل رواية الصبي والمجنون
لأنهما لا مسؤولية عليهما، فقد يتعمد الصبي الكذب بهذا الاعتبار، أو يتساهل في ذلك، والمجنون أولى من الصبي لأنَّه من الأصل قد فقد شريطة الضبط.
ج – لا يقبل خبر الفاسق بارتكاب المعاصي والخروج عن طاعة الله تعالى
وإن لم يظهر عليه الكذب، وكذلك من كان فسقه بسبب كذبه في حديث الناس وإن توقى الكذب في الحديث النبوي.
إلا إذا أقلع عن ذنبه وتاب توبة نصوحاً فإنه يقبل خبره وتعود عدالته؛ لقوله تعالى: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}.
أما من لم يقع في الكبيرة، ولا عُرف بالإصرار والاستهتار في الصغائر، فإنه يقبل حديثه، ويغتفر له ما قد يبدو من الهفوات، ويوهب نقصه لفضله.
د – ترفض رواية التائب من الكذب في الحديث:
استثنى العلماء خبر التائب من الكذب متعمداً في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنَّه لا يقبل خبره، وفي هذا يقول ابن الصلاح: “التائب من الكذب في حديث الناس وغيره من أسباب الفسق تقبل روايته، إلا التائب من الكذب متعمداً في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه لا تقبل روايته أبداً وإن حسنت توبته على ما ذكر عن غير واحد من أهل العلم، منهم أحمد بن حنبل، وأبو بكر الحميدي شيخ البخاري … “.
والسبب في عدم قبوله الزجر والتغليظ، والمبالغة في الاحتياط للحديث.
ه – خبر المبتدع:
المبتدع هو من فسق لمخالفته عقيدة السنة، وتنقسم البدعة إلى قسمين: بدعة مكفرة، وبدعة غير مكفرة، أما المبتدع الذي يرمى ببدعة مكفرة فترد روايته قولاً واحداً، خلافا لمن شذ في ذلك. لكن ينبغي التثبت مما يرمى به، وألا تسرع بتكفيره
أما المبتدع الذي لم يبلغ في بدعته حد الخروج عن الملة فقد قال فيه ابن الصلاح: “اختلفوا في قبول رواية المبتدع الذي لا يكفر في بدعته، فمنهم من ردَّ روايته مطلقا لأنَّه فاسق ببدعته.. ، ومنهم من قبل رواية المبتدع إذا لم يكن ممن يستحل الكذب في نصرة مذهبه أو لأهل مذهبه، سواء كان داعية إلى بدعته أو لم يكن”.
وقال قوم: تقبل روايته إذا لم يكن داعية إلى بدعته. وهذا مذهب الكثير أو الأكثر من العلماء.
وقال أبو حاتم بن حبان البستي من أئمة الحديث: الداعية إلى البدع لا يجوز الاحتجاج به عند أئمتنا قاطبة، لا أعلم بينهم فيه خلافا.
وهذا المذهب الثالث أعدلها وأولاها. والأول بعيد مباعد للشائع عن أئمة الحديث، فإن كتبهم طافحة بالرواية عن المبتدعة غير الدعاة. وفي الصحيحين كثير من أحاديثهم في الشواهد والأصول”
و – خبر من أخذ على الحديث أجرًا:
مضت سنة الصحابة والتابعين أن يرووا الحديث للناس احتساباً يبتغون الأجر عند الله،
حتى شاع قولهم: “علم مجاناً كما علمت مجاناً”
ثمَّ جاء بعض الرواة وخالفوا هذا العرف وصاروا يتقاضون من طلابهم أجراً لإسماعهم الحديث.
وقد أثار هذا التصرف استياء علماء الحديث ونقاده، واستنكروه
- لما في صنيعهم هذا من خرم المروءة
- ولما يخشى أن يجر أحدهم الحرص على الأجر إلى الوقوع في شبهة الكذب أو صريح الكذب لكي يرغب فيه … ! !
لكن الظروف المعيشية الضيقة ألجأت بعض حفاظ الحديث الثقات لأخذ الأجرة
كما أنَّ اشتغالهم بالعلم ونشره منعهم عن الكسب لعيالهم، فاغتفر لهم النقاد ذلك لما علم من صدقهم وأمانتهم
مثل أبي نعيم الفضل بن دكين، وعبد العزيز المكي وهما من شيوخ البخاري
قال أبو نعيم: “يلومونني على الأجر وفي بيتي ثلاثة عشر، وما في بيتي رغيف” (2).
وفيما عدا تلك القلة التي تقاضت الأجر على الحديث جرى سائر المحدثين على رفض الأجرة وضربوا لذلك أمثلة عالية جدا.
قال جعفر بن يحيى البرمكي: “ما رأينا في القراء مثل عيسى بن يونس عرضت عليه مائة ألف فقال: لا والله، لا يتحدث أهل العلم أني أكلت للسنة ثمنا … “.