لمحة
حاتم الطائي لم يكن ممسكاً شيئاً ما عدا فرسه وسلاحه، فإنه كان لا يجود بهما.
مرَّ حاتم في سفره على عنزة وفيهم أسير، فاستغاث بحاتم الطائي ولم يحضره فكاكه، فاشتراه من العنزيين وأطلقه وأقام مكانه في القيد حتى أدى فداءه.
من هو حاتم الطائي؟
هو حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن امرئ القيس بن عدي بن أخزم بن أبي أخزم من قبيلة طيء
يُكنى بأبي سفانة وأبي عدي.
فارس جواد شاعراً يضرب المثل بجوده، كان من أهل نجد
زار الشام فتزوج ماوية بنت حجر الغسانية
يعد مضرب المثل في الجود والكرم.
أدرك ولداه سفانة وعدي الإسلام فأسلما.
أوقد فإنَّ الليل ليل قر
إذا اشتد البرد وكلب الشتاء كان حاتم الطائي يأمر غلامه فأوقد نارًا في يفاع من الأرض لينظر إليها من أضلّ الطريق ليلاً فيصمد نحوه، فقال في ذلك:
أوقد فإنَّ الليل ليل قر
والريح يا موقد ريح صر
علَّ يرى نارك من يمر
إن جلبت ضيفاً فأنت حرّ
حاتم الطائي مع امرأته نوار
روت امرأته نوار: أصابتنا سنة اقشعرت لها الأرض واغبرَّ أفق السماء، وراحت الإبل حدباً حدابير
وضنَّت المراضع على أولادها فما تبض بقطرة، وحلقت السنة المال وأيقنا بالهلاك، فو الله إنا لفي ليلة صنبر بعيدة ما بين الطرفين
إذ تضاغى صبيتنا جوعاً: عبد الله وعدي وسفانة: فقام حاتم إلى الصبيين وقمتُ أنا إلى الصبية
فو الله ما سكتوا إلا بعد هدأة من الليل، وأقبل يعللني بالحديث.
فعرفتُ ما يريد فتناومت، فلما تهورت النجوم إذا شيء قد رفع كسر البيت ثم عاد
فقال: من هذا؟ قالت: جارتك فلانة، أتيتك من عند صبية يتعاوون عواء الذئاب، فما وجدت معولاً إلا عليك يا أبا عدي
فقال: أعجليهم فقد أشبعك الله وإياهم: فأقبلت المرأة تحمل اثنين ويمشي بجانبها أربعة؛ كأنها نعامة حولها رئالها
فقام إلى فرسه فوجأ لبته بمدية فخر، ثم كشطه عن جلده، ودفع المدية إلى المرأة فقال لها: شأنك؛ فاجتمعنا على اللحم نشوي ونأكل
ثمَّ جعل يمشي في الحي يأتيهم بيتاً بيتاً فيقول: هبوا أيها القوم، عليكم بالنار.
فاجتمعوا والتفع في ثوبه ناحية ينظر إلينا، فلا والله إن ذاق منه مزعة وإنه لأحوج إليه منا؛ فأصبحنا وما على الأرض من الفرس إلا عظم وحافر.
فأنشأ حاتم يقول:
مهلاً نوار أقلي اللوم والعذلا
ولا تقولي لشيء فات ما فعلا
ولا تقولي لمال كنت مهلكه
مهلاً وإن كنت أعطي الأنس والخبلا
يرى البخيل سبيل المال واحدة
إنَّ الجواد يرى في ماله سبلا
حاتم الطائي يضرب ولده!!
رئي حاتم يوماً يضرب ولده لما رآه يضرب كلبة كانت تدلّ عليه أضيافه:
أقول لابني وقد سطت يديه
بكلبة لا يزال يجلدها
أوصيك خيراً بها فإن لها
عندي يداً لا أزال أحمدها
تدل ضيفي علي في غلس
الليل إذا النار نام موقدها
كرم حاتم الطائي بعد موته!!
ذكرت طيء عند عدي بن حاتم أنَّ رجلاً يعرف بأبي الخيبري مرَّ بقبر حاتم فنزل به وجعل ينادي: أبا عدي: أقرّ أضيافك.
قال: فيقال له: مهلاً ما تكلم من رمة بالية؟
فقال: إنَّ طيئاً يزعمون أنه لم ينزل به أحد إلا قراه، كالمستهزئ فلما كان في السحر
وثب أبو خيبري يصيح: واراحلتاه: فقال له أصحابه: ما شأنك؟
قال: خرج والله حاتم بالسيف حتى عقر ناقتي وأنا أنظر إليها، فتأملوا راحلته فإذا هي لا تنبعث.
فقالوا: قد والله أقراك، فنحروها وظلوا يأكلون من لحمها، ثم أردفوه وانطلقوا
فبينما هم في مسيرهم إذ طلع عليهم عدي ابن حاتم ومعه جمل قد قرنه ببعيره
فقال: إنَّ حاتماً جاء في النوم فذكر لي قولك وأنه أقراك وأصحابك راحلتك، وقال أبياتاً رددها عليَّ حتى حفظتها، وهي:
أبا الخيبري وأنت امرؤ
حسود العشيرة شتامها
فماذا أردت إلى رمة
بداوية صخب هامها
أتبغي أذاها وإعسارها
وحولك غوث وأنعامها
وإنا لنطعم أضيافنا
من الكوم بالسيف نعتامها
وأمرني بدفع راحلة عوض راحلتك، فخذها؛ فأخذها.